هذه السورة تتحدث عن ظروف صعبة عاشها دعاة التوحيد، في مكة زمن الرسول وأصحابه، عليه الصلاة والسلام ورضي الله عنهم، ومن قبلهم المؤمنون السابقون أصحاب قصة الأخدود.
إنها ظلمة حالكة في ليل بهيم، لا يكاد الواحد يرى موضع قدمه، ويشتد الأذى بالمسلمين حتى ينشروا بالمناشير، ويحرّقوا في الأخاديد، وحيث يعم الظلم والظلام، ويلف النفوسَ المؤمنة والمستضعفة مشاعر الحزن والكآبة، حزناً على الذين دفنوا تحت التراب من حملة مشاعل الإيمان، وخوفاً على النفس، وقلقاً على مصير دين الله، مما يلاقيه أتباعه على أيدي أعدائه.
عند ذلك كله يقسم الله تعالى بالسماء ذات البروج، مطمئناً المؤمنين أن دين الله في سماء عالية ذات بروج حصينة، وأن الكفرة من أعداء الدين، ليسوا أكثر من أقزام ينفخون على الشمس ليطفئوها، أو يصعدون السلالم لينزلوها، ولهذا يأتي ختام السورة مطمئناً المؤمنين أن هذا القرآن في مأمن، من أن تصل إليه أي يد بإحراق أو إلغاء أو إنقاص، فإنه {قرآن مجيد في لوح محفوظ}.
وتبرز هذه السورة عظمة الجريمة بتحريق المؤمنين، وتكشف عن سببها {وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد}، فالكفار لغبائهم يتحرشون بالذين آمنوا بالله العزيز الذي تأبى عزته أن يترك عباده لأعدائه، وإن كان يمهلهم أن يتوبوا حتى بعد أن فتنوا المؤمنين والمؤمنات...
فيبشر المؤمنين بجنته، وينذر الكفار ناره وبطشته، ولعل في لفت الأنظار إلى السماء ذات البروج في جو الظلام البهيم، ما يرقى بأبصار المؤمنين إلى السماء لترى البروج الجميلة، فتزول عنها مشاعر الكآبة والحزن والإنكسار، كيف لا وقد قال رب العزة {ولقد جعلنا في السماء بروجاً وزيناها للناظرين} إن هذه البروج زينة وبهجة للنفوس، وسعادة للقلوب وشرح للصدور، ولكن شريطة أن تجد لها جماعة من الناظرين.
فتنشط نفوسهم من جديد لعمل الخير والقيام بأمر الدين، ويبدو أن هنالك تشبيهاً للشهداء بالبروج، وكأن الآيات تقول للمؤمنين لا تظنوا أن هؤلاء قد غيبهم الثرى وطوتهم القبور، بل هم نجوم وبروج مضيئة ومُثُل عُليا، تستدعي منكم أن تشخصوا بأبصاركم إلى عليائهم، وتتابعوا مسيرهم، وهو ما رأيناه في قصة أصحاب الأخدود الواردة في الحديث حيث كان إستشهاد حملة الدين دافعاً إلى الإيمان الجماعي.
الكاتب: طارق حميدة.
المصدر: شبكة مشكاة الإسلامية.